بمناسبة وفاة سيد الخلق
التذكير بمصاب خير البشر إنما يُرَدُّ لاستكناه العظات والعبر .. لا لاستجاشة الدموع الدرر ،
فكما كانت حياته – صلى الله عليه وسلم – متدفقةً دعوةً وهدايةً وبناء .. فكذلك كانت وفاته – عليه الصلاة والسلام نضاخةً دروسًا وعبرًا واقتداء .. تستخلص الأمة عبق مغازيها وتترسم شم معانيها .. إذ كيف لأمة الاتباع والهداية أن تحدث في إشراقة البداية وتغفل عن مواطن الادكار في النهاية ؟ بل كيف تذهل العقول عن فاجعة الوفاة في إعراضٍ وانجفال وتيمم شطر المولد للإحداث والاحتفال؟!
فيالله العجب .. كيف يكون الفرح بيوم حياته أولى من الحزن على يوم وفاته والله – عز وجل – يقول : (… وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا …( 7 سورة الحشر)، .
أيها المؤمنون .. وبعد أن أكمل الله الدين وأتم على البشرية النعمة وبلغ المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الأمانة وأدى الرسالة وهدى البشرية من الضلالة وعلمها من الجهالة وانتحى بها إلى قمم المجد والعز والجلال .. أنزل الحق عليه (سورة النصر) ناعيةً إياه في أول مقدمات الوفاة فكل أمر ٍ اكتمل واستتم ؛ فالتسبيح والاستغفار عقبه خير مختتم ، وفيه أيضا أن الاستغفار ساعة الانتصار دليل الشكر والذل والانكسار .. وقد أومأ – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه بدنو أجله وعرَّض باقتراب فراقه ؛ ففي حجة الوداع من السنة العاشرة خطب – عليه الصلاة والسلام – الناس وودعهم قائلا فيما خرجه مسلم في صحيحه : ” فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ” .
إخوة الإسلام .. ولما حضرت الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الوفاة أخذه ألمٌ في رأسه ثم ثقُل عليه الوجع .. فكانت حمى شديدةٌ تنتاب جسده الشريف – بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم – – كانت زهرة حياته فاطمة – رضي الله عنها – تلتاع فتقول : ( واكرب أبتاه ) ، فيقول – صلى الله عليه وسلم – : ” ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم “.. وفي ذلك عزاءٌ لأهل المحن وتسليةٌ واصطبارٌ وتسلية .. – : ” الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ” .. يغرر بها صدره وما يكاد يفيق بها لسانه ) .
فيا أمة الإسلام .. الله الله في حفظ عمود الإسلام ؛ فإنها وصية خير الأنام ومفتاح الخير والسعادة ومعراج الروح والإفادة وركن الإسلام الذي رحم الله به عباده ، وأما ما ملكت أيمانكم فمن نساء وبنين وخدم ومأمورين ؛ فاجتهدوا في معاملتهم بالحسنى واللطف ، واحتسبوا الأجر فيهم بالرفق والعطف .. فذوا المرتبة يحنو على ذي المتربة، وصولًا إلى المجتمع الإسلامي المتراحم المتلاحم .
أحبة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وعن آخر النظرات لسيد البريات التي تجهش باللوعات والزفرات يصف لنا أنس بن مالك – رضي الله عنه – مشهدًا مهيبًا ومصطنعًا للحبيب غريبا .. لله ما كان أنداه وأبهاه وأروعه ! ولله ما كان أزكاه وأسنعه وأبدعه ! يقول – رضي الله عنه – : ( حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف – أي الصحابة الكرام – في الصلاة .. كشف النبي – صلى الله عليه وسلم – ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف (قصد في الحسن والاستنارة) ، ثم تبسم يضحك ، فهممنا أن نفتتن من الفرح لرؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ فأشار إلينا النبي – صلى الله عليه وسلم- أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر ؛ فتوفي من يومه – عليه الصلاة والسلام_). فيالله ما أعظمها من بليةٍ وفاجعة ! وما أشدها من نازلةٍ وواقعة